تطور برامج الجنسية عن طريق الاستثمار بوتيرة متسارعة تتماشى مع النمو الحاصل في الكوكب والعالم من حولنا، حيث باتت تلك البرامج، التي توفر للناس فرصة مثالية لتوسيع آفاقهم وتحقيق مستقبل أفضل، تحظى بشعبية غير مسبوقة. وتسعى الدول التي تقدم تلك البرامج باستمرار إلى إجراء تغييرات كبيرة لإحيائها ولتوفير المزيد من الإمكانيات للمستقبل. في هذا المقال، سنسلط الضو على الديناميكيات المتطورة للبرامج وكيف ستعمد تلك الدول إلى تعزيزها عبر تبني الابتكار وممارسات الاستدامة والشمولية.
وعلى الرغم من نجاح هذه البرامج في استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز النمو الاقتصادي، إلا أنها كانت أيضًا موضع جدل كبير بسبب المخاوف بشأن غسيل الأموال والتهرب الضريبي وإمكانية استغلال الأفراد الأغنياء للنظام. بالإضافة إلى ذلك، بدأ البرلمان الأوروبي بممارسة الضغوط على البلدان التي تمنح الجنسية عن طريق الاستثمار لإغلاق برامجها. ووسط هذه المخاوف، هل هناك احتمال أن تختار بعض الدول تعليق أو تقييد برامج الجنسية أو الإقامة الخاصة بها؟
الابتكارو تطور برامج الجنسية عن طريق الاستثمار من أجل إرساء مستقبل مستدام
على الرغم من هذه المخاوف، من المرجح أن تبقى برامج الجنسية عن طريق الاستثمار خيارًا شائعًا للمستثمرين الذين يتطلعون إلى الحصول على جواز سفر ثان.
خيارات استثمارية جديدة
وتتطلع بعض الدول إلى دمج خيارات وأفكار استثمارية جديدة بطريقة مسؤولة ومستدامة وفي الوقت نفسه الحفاظ على سيادتها وأمنها الوطني. فعلى سبيل المثال، أدخلت سانت لوسيا وفانواتو مؤخرًا خيارات استثمارية جريئة إلى برامجها.
تحسين الإجراءات التنظيمية
عمدت الدول التي تمنح الجنسية عن طريق الاستثمار إلى إرساء قوانين صارمة لتعزيز نزاهة برامجها وضمان استمراريتها على المدى الطويل، وتركز بوتيرة متزايدة على تعزيز عمليات العناية الواجبة. وإدراكًا منها لأهمية الحفاظ على النزاهة والمصداقية، فقد اتخذت هذه الدول تدابير متشددة لضمان منح الجنسية أو الإقامة للأفراد النزيهين ذوي السمعة الطيبة فقط. وتحرص تلك البلدان على وضع معايير متشددة وإجراء تدقيق شامل لحماية برامجها من المخاطر المحتملة وتحسين سمعتها على الساحة العالمية.
رؤية مستقبلية شاملة
بالنظر إلى المستقبل، تركز رؤية برنامج الجنسية عن طريق الاستثمار على الشمولية وتبذل الدول جهودًا حثيثة لجعلها أكثر شفافية وبساطة وانفتاحًا. وتتجاوز هذه الشمولية المسائل الاقتصادية، حيث تدرس بعض البلدان إرساء معايير بديلة تشمل المواهب المميزة وأصحاب الكفاءات ورواد الأعمال والمساهمات الثقافية كمسار للحصول على الجنسية. وتسعى البرامج عبر احتضان التنوع إلى بناء مجتمع عالمي حقيقي من المواطنين وتعزيز التعاون تبادل الثقافي.
الاتجاهات الجديدة تطور برامج الجنسية عن طريق الاستثمار والإقامة
سنسلط الضوء في النقاط التالية على العديد من الأفكار والاتجاهات الجديدة التي عمدت الدول المضيفة إلى دمجها في برامج الجنسية عن طريق الاستثمار.
تأشيرات العمل الرقمي
في ظل تزايد شعبية العمل عن بعد، بدأت بعض الدول في تقديم تأشيرات للعمل الرقمي تسمح للعمال بالعيش والعمل في البلد لفترة طويلة. ويمكن دمج هذه التأشيرات في برامج الجنسية والإقامة لاستقطاب شريحة جديدة من المستثمرين الذين يطمحون للعمل عن بعد ومن أي مكان في العالم. على سبيل المثال، قدمت البرتغال “تأشيرات العمل الرقمي” في أكتوبر 2022، لتمنح الأجانب الذين يتقاضون دخلًا شهريًا مرتفعًا من العمل عن بعد القدرة على العيش في البلد دون أن يترتب عليهم أي ضرائب.
وتفيد هذه التأشيرات كل من البلد المضيف والموظف الذي يعمل عن بعد، كونها تجذب الاستثمارات الأجنبية وتحفز الاقتصاد المحلي وتعزز التبادل الثقافي والتنوع، بالإضافة إلى أنها تمنح الموظف فرصة اختبار وتجربة أماكن وثقافات جديدة ولقاء أشخاص جدد وتعزيز مهاراته المهنية. ولكن ينبغي على الطرفين التفكير بعناية في المخاطر والتحديات المحتملة المرتبطة بهذه التأشيرات.
الخيارات الاستثمارية الصديقة للبيئة
وسط التركيز المتزايد على الممارسات المستدامة والتغير المناخي، تعمد بعض برامج الجنسية والإقامة إلى دمج خيارات الاستثمار الخضراء التي تعزز التنمية الاقتصادية الصديقة للبيئة، كالاستثمار في الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والماء والطاقة الحرارية فضلًا عن البنية التحتية الموفرة للطاقة والزراعة المستدامة كالزراعة العضوية والزراعة المتجددة والاستثمارات في تقنيات إدارة النفايات التي تعزز الاقتصاد الدائري. وقد تتضمن خيارات الاستثمار الخضراء استثمارات في العقارات الصديقة للبيئة والمباني المطابقة للمعايير البيئية وجودة الهواء الداخلي والموفرة للطاقة والمياه.
في دومينيكا، على سبيل المثال، يتاح للمستثمرين إمكانية المساهمة بتمويل الاقتصاد المستدام والحصول على جنسية ثانية، حيث قررت منذ بضع سنوات تمويل مشروع الطاقة الحرارية من تطور برامج الجنسية عن طريق الاستثمار[1]. ويمنح برنامج الجنسية في سانت لوسيا المستثمرين فرصة الاستثمار في مشروع سياحي مستدام يتضمن تطوير منتجعات صديقة للبيئة وبنية تحتية للمرافق السياحية باستخدام مواد مستدامة.
بالنسبة للبلد المضيف، تعزز الاستثمارات الخضراء النمو الاقتصادي وتخلق وظائف جديدة وتساهم في تحقيق اقتصاد أكثر استدامة ومرونة، ولكنها قد تعرضه لمخاطر وتحديات قد تشمل المخاطر المالية المتعلقة بأداء الاستثمار، فضلاً عن المخاطر التنظيمية والقانونية المتعلقة بالامتثال للمواصفات والمعايير البيئية، لذا تحتاج الحكومات والمستثمرون إلى التفكير فيها بعناية.
الاستثمار في التعليم والأبحاث
تقدم بعض الدول برامج الجنسية والإقامة التي تتطلب من المستثمرين الاستثمار في التعليم والبحث، مثل تمويل الجامعات والمؤسسات البحثية أو برامج التدريب المهني لدعم النمو الاقتصادي والتنمية. في مايو 2020، قدمت حكومة أنتيغوا وباربودا خيارًا جديدًا مناسبًا للعائلات التي تتكون من ستة أشخاص أو أكثر للحصول على الجنسية من خلال المساهمة في صندوق جامعة الهند الغربية.
يوفر الاستثمار في التعليم والبحث وسيلة للمستثمرين للتأثير بشكل إيجابي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأجل في البلد المضيف، بينما يحصلون في الوقت نفسه على الجنسية الثانية. وبالنسبة للبلد المضيف، يمكن أن تساعد هذه الاستثمارات على تعزيز الابتكار وريادة الأعمال وتطوير رأس المال البشري، الأمر الذي يمكن أن يدفع بدوره النمو الاقتصادي والتنمية.
البرامج الإقليمية
تبحث بعض الدول إمكانية إنشاء برامج إقليمية لمنح الجنسية أو الإقامة عن طريق الاستثمار تخول المستثمرين الحصول على الجنسية في عدة دول داخل منطقة محددة. وقد يكون هذا جذابًا للمستثمرين الذين يقدرون حرية التنقل والقدرة على الوصول إلى أسواق متعددة. ويمكن أن توفر تطور برامج الجنسية عن طريق الاستثمار والإقامة الإقليمية للمستثمرين العديد من الفوائد، وأهمها المرونة وإمكانية الوصول إلى فرص استثمارية متنوعة، كما يمكن أن توفر بعض الفوائد الضريبية المحتملة وإمكانية الوصول إلى أسواق أكبر للاستفادة من فرص الأعمال الواعدة. وبالنسبة للبلدان المضيفة، يمكن أن تعزز برامج الجنسية والإقامة الإقليمية التكامل الاقتصادي والتعاون داخل المنطقة، وكذلك تجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزز النمو الاقتصادي.
مستقبل مشرق
في حين أنه لا يرجح إغلاق برامج الجنسية والإقامة بشكل كامل، إلا أنه قد يكون هناك بعض التغييرات في طريقة تشغيل وتنظيم هذه البرامج في المستقبل، مثل إدخال إجراءات أكثر تشددًا على عملية العناية الواجبة ورفع قيمة الاستثمار المطلوب، والمثال الأبرز على ذلك قبرص، حيث قدمت الحكومة في مايو 2023 قوانين جديدة لبرنامج التأشيرة الذهبية لتعزيز سلامة البرنامج وضمان استدامته على المدى الطويل، مع الحفاظ على جاذبيته للمستثمرين الأجانب. كما ستتخذ العديد من الدول خطوات كبيرة للحفاظ على أعلى معايير الشفافية والنزاهة وضمان استمراريتها على المدى الطويل.
[1] https://www.thinkgeoenergy.com/funding-geothermal-development-in-dominica-with-citizenship-for-investment/